Friday, April 11, 2008

الهند وإفريقيا‏..‏ أوجه الشبه‏..‏ ولماذا التعاون؟

كتب: هاني عسل
ربما كان أشبه مكان في العالم بالقارة الإفريقية‏,‏ بكل ما فيها من مشكلات وصراعات وثروات‏,‏ هي منطقة شبه القارة الهندية‏,‏ إلا أن الأخيرة قطعت خطوات طويلة منذ زمن بعيد نحو الإصلاح الديمقراطي والاقتصادي وضعتها في مصاف الدول القادرة علي منافسة الكبار‏.‏

وحقيقة الأمر أن ما يستدعي التعاون بين الهند وإفريقيا ليس أوجه الشبه المتعددة بينهما بقدر ما هو تلاقي وتشابه المصالح‏,‏ علما بأن مصالح الجانبين تلتقي أيضا بدرجة كبيرة علي الصعيد السياسي‏,‏ ليس الآن‏,‏ وإنما بحكم التاريخ الطويل من العلاقات الوطيدة التي جمعت بين الكتلتين في إطار حركة عدم الانحياز في منتصف القرن الماضي‏,‏ ودعم الهند المستمر لكفاح إفريقيا ضد الاستعمار والعنصرية وتأييدها في الماضي للحركات الاستقلالية في إفريقيا وللقضايا العربية الرئيسية وعلي رأسها القضية الفلسطينية ساعد كثيرا علي تدعيم مناخ الثقة المتبادلة بين الجانبين‏,‏ مما يوفر أرضية صلبة لأي تعاون بينهما حاضرا ومستقبلا‏.‏

وفي ظل التكالب الأمريكي ـ الأوروبي علي الوصول إلي ثروات إفريقيا الطبيعية‏,‏ والذي لا يسفر في كثير من الأحيان عن علاقات تعاون متكافئة بين الطرفين ـ باستثناء المحاولات الآسيوية من جانب الصين واليابان وكوريا الجنوبية ـ وفي ظل سعي الدول الإفريقية من جانبها إلي الاستفادة من تجارب الماضي‏,‏ والتوجه نحو التشبث بثرواتها ومواردها الطبيعية في عصر ندرة الطاقة والمواد الخام‏,‏ وعدم التفريط فيها إلا لمن يقدر علي تقديم المقابل‏,‏ فقد ظهرت الهند بالنسبة لإفريقيا في صورة الشريك السياسي والاقتصادي والتجاري النزيه‏,‏ وهو شريك ظل بعيدا لسنوات‏,‏ ولكنه حان الوقت الآن لعودة التقارب بما يخدم مصالح الطرفين‏,‏ وفقا لما تقتضيه لغة عصر العولمة‏.‏

من الناحية السياسية‏,‏ تبدو الآن‏,‏ أكثر من أي وقت مضي‏,‏ أهمية التعاون‏,‏ بل والتحالف إن أمكن‏,‏ بين المارد الهندي المستيقظ والعملاق الإفريقي الذي دخل مرحلة اليقظة بالفعل‏,‏ باعتبار أن هذا هو عصر التحالفات‏,‏ كما أن الكتلتين ليستا منضمتين حتي الآن إلي أحلاف سياسية أو عسكرية ذات طابع قاري أو عالمي‏,‏ علي غرار الاتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلنطي‏.‏

وفي الإطار نفسه‏,‏ فإن مشاركة القوات الهندية شبه دائمة في عمليات حفظ السلام الدولية التابعة للأمم المتحدة‏,‏ وسبق لقوات هندية أن شاركت ـ وما زالت تشارك ـ في عمليات لحفظ السلام في دول مثل الصومال وإثيوبيا وسيراليون وإريتريا والكونجو الديمقراطية‏.‏

وتتسم الهند أيضا بأن لها تجربة طويلة ورائعة في مجال الديمقراطية والإصلاح السياسي والاقتصادي والذي حقق نتائج ملموسة جعلت الهند في مصاف الدول الصاعدة اقتصاديا بقوة علي مستوي العالم إلي جانب البرازيل والأرجنتين والصين‏.‏

كما أن الهند نفسها تبدي اهتماما كبيرا بإفريقيا‏,‏ وهناك ورقة عمل حول‏'‏ المشاركة بين الهند وإفريقيا‏'‏ تم التوصل إليها خلال قمة مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبري التي عقدت في مدينة سان بطرسبرج الروسية عام‏2006.‏

ومن الناحية الاقتصادية‏,‏ فإن الهند‏,‏ بوصفها قوة اقتصادية وتجارية كبيرة‏,‏ تبحث بطبيعة الحال عن سوق لأبرز صادراتها من المنتجات البترولية والمنسوجات والمجوهرات والكيماويات والمنتجات الجلدية‏,‏ وأبرز شركائها التجاريين حاليا جميعهم خارج إفريقيا‏,‏ وهم الولايات المتحدة والإمارات والصين والمملكة المتحدة‏,‏ كما أنها تبحث عن المواد الخام من البترول الخام والماكينات والمخصبات الزراعية‏,‏ وأبرز الدول التي تستورد منها الهند احتياجاتها الصين والولايات المتحدة وألمانيا وسنغافورة‏,‏ أي أنه لا يوجد شريك تجاري بارز للهند من إفريقيا‏.‏

وهنا تجدر الإشارة إلي أن قيمة التبادل التجاري بين الهند ومصر علي سبيل المثال بلغت مليار دولار وفقا لإحصائيات عام‏2005,‏ وهو رقم ضئيل للغاية بالنظر إلي حجم البلدين وعمق علاقاتهما التاريخية‏,‏ كما أن هذا الرقم يقل كثيرا كلما اتجهت الهند غربا أو جنوبا في القارة الإفريقية‏,‏ باستثناء جنوب إفريقيا‏,‏ أبرز دول القارة الإفريقية اقتصاديا‏,‏ والتي تبلغ قيمة التبادل التجاري بينها وبين الهند أكثر من‏3,2‏ مليار دولار بحسب إحصائيات عام‏2007.‏

ويمكن التعاون بين الجانبين أيضا في مجال الميكنة الزراعية وزيادة الإنتاجية الزراعية وتوفير مياه الشرب ونظم الأمن الغذائي وتنمية وتدريب الموارد البشرية‏,‏ بحكم ما تملكه الهند من خبرات في هذا المجال‏.‏

وقد أنفقت الهند ما يزيد علي مليار دولار علي برامج التعاون مع إفريقيا‏,‏ ومعظمها برامج مساعدة تنموية‏,‏ وبرامج في المجال التعليمي والأكاديمي ومشروعات البنية الأساسية مثل الكهرباء والسكك الحديدية وماكينات الغزل والنسيج‏,‏ إضافة إلي تبادل الخبراء في مختلف المجالات‏,‏ خاصة في مجال دراسات الجدوي للمشروعات الاقتصادية العملاقة‏,‏ وكان هذا التعاون واضحا في دول مثل السنغال وإثيوبيا ومالاوي وغانا ونيجيريا وناميبيا وبوركينا فاسو‏.‏

وحتي من الناحية الاجتماعية‏,‏ يوجد الكثير من أوجه الشبه بين الهند وإفريقيا من حيث التنوع الكبير في التشكيلة السكانية للجانبين‏,‏ عرقيا ودينيا‏,‏ ووجود حالة من التفاوت الطبقي بين فئات وغيرها‏,‏ وبين مناطق وأخري‏,‏ مما يستتبع تنفيذ برامج اقتصادية واجتماعية مدروسة‏,‏ ولا ننسي أيضا ميزة التنوع الثقافي والديني الشديد الذي يتمتع به كل جانب منهما‏,‏ وهنا يشار إلي وجود تركيبات عرقية من أصول هندية في بعض الدول الأفريقية مثل جنوب إفريقيا وموريشيوس‏.‏

ومن بين أوجه الشبه أو المجالات التي يمكن أن تتيح فرصة كبيرة للتعاون بين الهند وإفريقيا مجال محاربة الأمراض المتوطنة والوبائية‏,‏ بحكم أن الجانبين يعانيان من مشكلات صحية متنوعة‏,‏ بدرجات متفاوتة‏,‏ وإن كانت الهند تميزت في الآونة الأخيرة بحسن استغلال التفوق العلمي والأكاديمي في علاج هذه المشكلات‏,‏ وهي قادرة علي تقديم خبراتها العلمية إلي الدول الإفريقية التي تعد في أمس الحاجة لذلك‏,‏ ومن أبرز الأمراض المنتشرة في الهند الأمراض البكتيرية والإسهال والالتهاب الكبدي الوبائي والتيفود والملاريا وحمي الدنج‏.‏

وهناك مشكلة أخري تعليمية يواجهها الجانبان مع تشابه الظروف‏,‏ وهي الأمية‏,‏ حيث توجد في الهند نسبة أمية تصل إلي‏39%.‏

No comments: